لقد أدركت أن قيمة وقتي فيما عرفته و أعرفه وسأعرفه عني وعن العالم من حولي، وأن انشغالي بإحصاء السنين سيحرمني فرصة أن أعرف جديداً ..
لم أعد أريد شيئاً غير أن أعرف أكثر، كي أعي مبلغ جهلي الفادح ..
إن الذي يعرف ينأى أكثر فأكثر عن صخب السطح وضجيجه، يغور وحيداً، وقد يفزع، وقد يتوحش، وقد يألم؛ بل إنه سيألم؛ لكنه أبداً لا ولن يؤذي ..
من يعرف لا يؤذِ، لإن الإيذاء هزيمة متأخرة؛ ومن يعرف لا يحب أن يخسر ولا أن يُهزم..
جل الحياة - حينما أتأملها - عابرٌ يحّيي عابراً؛ وأنا لا أريد أن أعبر دون أن أعرف كل ما يمكنني أن أعرفه ..
ما عدت أريد غير الصمت. الصمت الذي ربضت في كنفه الخليقة دهوراً قبل أن يخلق الله آدم وحواء، الصمت الذي تسبح فيه – دون قلق- كل الأرواح التي انعتقت من قيد أجسادها، فغدت خفيفة لينة غير عابئة بأن تُرى، أو تُجرح، أو تمرض، أو تُعذَّب، أو تحترق، أو تهان. تمضي حرة موقنة بأنها لم تعد قابلة لأن تمسَّ ..
إنني أكبر ويكبر العالم معي، وأكذب لو قلت إنني قادرة على أن أفهمه بصورة أفضل مما كنت في العشرين مثلاً. بل إن أغرب ما أفكر فيه الآن أني كنت أفهم العالم حينها أفضل! كان عالماً أقل تعقيداً وضياعاً مما هو عليه الآن!
العالم الآن يتهتك أكثر فأكثر! يصبح عالماً خليعاً، وينحدر نحو رُخْصٍ بَيِّن. عالم يمكن للمرء فيه أن يعرف كثيراً عن أي حدث حوله، ومع ذلك فإنه قد يجد نفسه حائراً في نهاية المطاف ومتشظياً؛ لأن كل ما يُطرح يبدو صحيحاً..
الموت لا يقترب لأننا نكبر، ولا يبتعد لأننا صغار. الموت موجود، ونحن لا نذهب إليه، ولا نعود منه..
إنني أكبر، وأتورط في سحر الكتب والقراءة أكثر فأكثر. لم تعد القراءة -بالنسبة لي- متعة بل غريزة كالجوع تماماً..
لا شيء يمنحني الأمان مثل أن أجد نفسي بين الكتب..
لقد أدركت مبكرة أن قيمة ما نناله وما نحرم منه ليست في الأشياء نفسها، بل في الطريقة التي نتعامل بها مع تلك الأشياء، نعمة كانت أم ابتلاءً. وأذا كنا نعي دون جدل أن الابتلاء ثقيل، فإن قلة يعون أن النعمة -كالابتلاء- ثقيييلة، وأن شكرها أثقل من الصبر على ضدها !
إنني أكبر، وأتخيل أحياناً أن حياتي -كل حياتي- مشهد قصير في فيلم طويل، تعرضه صالة عرض شبه خالية، ويشاهده إنسان وحيد مرة ثم يمضي عنه ..
صرت أقل حزناً وقلقاً , وأكثر سكينة , ربما لأنني نجوت –كما أظن- من خديعة الأمل
كلما كبرت صار الألم أكبر وأبطأ رحيلاً !
ظننتُ مرّات أني موعودة بالألم وحاولت أن افهم لم كان علي أن أكبر في ظله , لكنني أدركت فيما بعد أن الألم شرط انساني..!
إنني أكبر، وليس بيدي أن لا أفعل.
كل ما بيدي وأنا أكبر هو أن أعي كيف ينحتني هذا الكبر. ما الذي يأخذه مني؟ وما الذي يضفيه علي؟ وأين سأجد نفسي عندما ينتهي الدرب، وترف الملائكة بأجنحتها من حولي، ويصير ما أعيه خارج الكلمات وأكبر منها؟ وكم سأخسر حينها أنا التي آمنت أن الحياة خسران طويل؟
مقتطفات من رواية : في معنى ان اكبر
الكاتبة السعودية ليلى الجهني
لم أعد أريد شيئاً غير أن أعرف أكثر، كي أعي مبلغ جهلي الفادح ..
إن الذي يعرف ينأى أكثر فأكثر عن صخب السطح وضجيجه، يغور وحيداً، وقد يفزع، وقد يتوحش، وقد يألم؛ بل إنه سيألم؛ لكنه أبداً لا ولن يؤذي ..
من يعرف لا يؤذِ، لإن الإيذاء هزيمة متأخرة؛ ومن يعرف لا يحب أن يخسر ولا أن يُهزم..
جل الحياة - حينما أتأملها - عابرٌ يحّيي عابراً؛ وأنا لا أريد أن أعبر دون أن أعرف كل ما يمكنني أن أعرفه ..
ما عدت أريد غير الصمت. الصمت الذي ربضت في كنفه الخليقة دهوراً قبل أن يخلق الله آدم وحواء، الصمت الذي تسبح فيه – دون قلق- كل الأرواح التي انعتقت من قيد أجسادها، فغدت خفيفة لينة غير عابئة بأن تُرى، أو تُجرح، أو تمرض، أو تُعذَّب، أو تحترق، أو تهان. تمضي حرة موقنة بأنها لم تعد قابلة لأن تمسَّ ..
إنني أكبر ويكبر العالم معي، وأكذب لو قلت إنني قادرة على أن أفهمه بصورة أفضل مما كنت في العشرين مثلاً. بل إن أغرب ما أفكر فيه الآن أني كنت أفهم العالم حينها أفضل! كان عالماً أقل تعقيداً وضياعاً مما هو عليه الآن!
العالم الآن يتهتك أكثر فأكثر! يصبح عالماً خليعاً، وينحدر نحو رُخْصٍ بَيِّن. عالم يمكن للمرء فيه أن يعرف كثيراً عن أي حدث حوله، ومع ذلك فإنه قد يجد نفسه حائراً في نهاية المطاف ومتشظياً؛ لأن كل ما يُطرح يبدو صحيحاً..
الموت لا يقترب لأننا نكبر، ولا يبتعد لأننا صغار. الموت موجود، ونحن لا نذهب إليه، ولا نعود منه..
إنني أكبر، وأتورط في سحر الكتب والقراءة أكثر فأكثر. لم تعد القراءة -بالنسبة لي- متعة بل غريزة كالجوع تماماً..
لا شيء يمنحني الأمان مثل أن أجد نفسي بين الكتب..
لقد أدركت مبكرة أن قيمة ما نناله وما نحرم منه ليست في الأشياء نفسها، بل في الطريقة التي نتعامل بها مع تلك الأشياء، نعمة كانت أم ابتلاءً. وأذا كنا نعي دون جدل أن الابتلاء ثقيل، فإن قلة يعون أن النعمة -كالابتلاء- ثقيييلة، وأن شكرها أثقل من الصبر على ضدها !
إنني أكبر، وأتخيل أحياناً أن حياتي -كل حياتي- مشهد قصير في فيلم طويل، تعرضه صالة عرض شبه خالية، ويشاهده إنسان وحيد مرة ثم يمضي عنه ..
صرت أقل حزناً وقلقاً , وأكثر سكينة , ربما لأنني نجوت –كما أظن- من خديعة الأمل
كلما كبرت صار الألم أكبر وأبطأ رحيلاً !
ظننتُ مرّات أني موعودة بالألم وحاولت أن افهم لم كان علي أن أكبر في ظله , لكنني أدركت فيما بعد أن الألم شرط انساني..!
إنني أكبر، وليس بيدي أن لا أفعل.
كل ما بيدي وأنا أكبر هو أن أعي كيف ينحتني هذا الكبر. ما الذي يأخذه مني؟ وما الذي يضفيه علي؟ وأين سأجد نفسي عندما ينتهي الدرب، وترف الملائكة بأجنحتها من حولي، ويصير ما أعيه خارج الكلمات وأكبر منها؟ وكم سأخسر حينها أنا التي آمنت أن الحياة خسران طويل؟
مقتطفات من رواية : في معنى ان اكبر
الكاتبة السعودية ليلى الجهني