بيتر بيرغمان
كاتب ومحاضر واستشاري متخصص
الرئيس التنفيذي لمؤسسة بيرغمان وشركائه العالمية للاستشارات
بيتر! أريدك في حديث قصير بعد الدرس لو سمحت!
وبعد انتهاء درس اللياقة البدنية جئت إلى مدرّبي كالفن. خير يا معلم؟ ماذا
فعلت؟
- المشكلة يا عزيزي هي ليست ماذا تفعل وإنما هي ماذا لا تفعل.
وما عساه يكون هذا الأمر المهم الذي تراني لا أقوم به؟
- الإخفاق! إنّك لا تحاول أن تخفق
ماذا؟ هل استبقيتني بعد انتهاء الدرس لأنني لا أخفق؟
- إنّ هذه الطريقة (وبدأ يقلّد طريقتي في رفع أثقال تمريني الخفيفة جداً) لن توصلك إلى أي تقدم ملموس..
لا تنمو العضلة إلاّ إذا شغّلتها حتى تخفق. يجب أن تستخدم أوزاناً أشدّ تحدياً لقدراتك، ينبغي أن تخفق!
من المهمّ اتباع نصيحة مدرّبي السابقة هذه في تحسين اللياقة وتنمية العضلات، ولكن هل تعلمون كم لها من حضور حقيقيّ في النجاح العملي والتقدم المهنيّ؟
كلّما طلبتُ من مجموعةٍ من التنفيذيين الكبار أن يدوّنوا لي قائمةً بأهم خمس لحظات شهدت فيها مسيرتهم المهنية قفزةً إلى الأعلى والأمام (لاحظ عزيزي القارئ! قفزة، وليس مجرد خطوة) فإنني كنت أرى الإخفاق حاضراً في القائمة.
لدى بعضهم كنت ترى خسارة وظيفةٍ معينة، أو فشل مشروعٍ معين، ولدى آخرين كان الإخفاقُ اختلالاً كلّياً للمنظومة المحيطة بهم -مثل الركود الاقتصادي، أو تغيّر جذري يعمّ الصناعة أو البلد- يتطلّب منهم إعادة برمجةً أنفسهم برمجةً شاملة.
وبالرغم من أهمية الفشل وفائدته العظيمة التي تثبتها المشاهدة الواقعية فإن معظمنا يبذل جهوداً هائلةٍ لاجتناب الإخفاق واحتمالاته.
حوادث الحياة وظروفها رياح، موقفك الفكريّ هو الشراع
فهل تُدرك إلى أين تدفع مركبك؟
حسب قول الدكتورة كارول دفيك الأستاذة والباحثة في جامعة ستانفورد فإنّ كثيراً منا نحن البشر يعاني من مشكلة في مواقفه ومنطلقاته الفكرية –أو عقليّته- mindset.
قامت الدكتورة دفيك بأبحاث هائلة من أجل تفهّم العوامل التي تجعل كثيراً من الناس يسعون إلى التهرّب من مواجهة المحنة بدلاً من السعي إلى التغلّب عليها. وانتهت إلى إجابةٍ بسيطةٍ (بساطة خادعة): السر كلّه في رأسك!
كثيرٌ من الناس يثبّتون أشرعتهم.. فلا تكبر، ولا يتعرّضون إلاّ للرياح المواتية
إن كنت تعتقد أن مواهبك مولودةٌ معك أو إنّها ثابتة فسوف تحاول تجنّب الإخفاق بكل ما لديك من طاقة لأن الإخفاق دليلٌ يُظهر محدودية قدراتك ومواضع الضعف أو العجز لديك. وأصحاب العقلية الثابتة يحبّون الاستمرار في حلّ المشكلات ذاتها مرةً بعد مرة لأن ذلك يعزّز صورة كفاءتهم.
الأطفال ذوو العقلية الثابتة تراهم يفضّلون تكرير حل إحدى أحجيات التجميع السهلة مرةٍ بعد مرة بدل الانتقال إلى أحجيةٍ أصعب.
الطلاب ذوو العقلية الثابتة لا يرحّبون ولا ينجحون في تعلّم لغات جديدة. المديرون ذوو العقليات الثابتة سيحيطون أنفسهم بمن يوافقونهم على الدوام. إنهم يشعرون بالفخر والسرور عندما يُثبتون فهمهم ومقدرتهم ويظهرونَ مصيبين ناجحين مرةً بعد مرة!
والناجحون يحسّنون ويحرّكون أشرعتهم ويتعلّمون كيف يسخّرون الرياح المعاكسة للإبحار ضدها
لكن إن كنت تعتقد أن مواهبك تنمو بالمثابرة والجهد فسوف تطلب الإخفاق كفرصةٍ للتحسّن. إن أصحاب العقليات النامية يرضون عن نجاح أنفسهم عندما يتعلّمون وليس عندما ينتفي عنهم الزلل.
هذا مايكل جوردان الذي يعتبره كثيرون أفضل لاعب سلة عرفته الدنيا لديه عقلية نموّ. شأنه في ذلك شأن كثير من الناجحين. في المدرسة الثانوية استبعد عن فريق السلّة، ولكن ذلك لم يحبطه أبداً. وعن عقليته هذه ومسيرة نجاحه يقول: لقد أخطات الهدف في أكثر من تسعة آلاف رمية خلال حياتي الاحترافية، وخسرت أكثر من ثلاثمئة مباراة، وفي ست وعشرين مرةً كنتُ المؤتمن على رمية الفوز الحاسمة وأخطات الهدف. لقد أخفقت في حياتي مرةً بعد مرة.. ولذلك تراني اليوم ناجحاً.
إن كان لديك موقفُ وعقلية نموّ فسوف تستخدم فشلك من أجل التحسن
وإن كان لديك عقلية ثبات فربما لن تتعرّض للفشل أبداً
في دنيا الأعمال، ينبغي أن نميّز الأحيان التي نختار عندها تحدّي أنفسنا.
في المواقف ذات الأرجحية القلِقة والخطورة الفادحة يُستحسن لك التريّث والبقاء ضمن إمكانياتك الحالية بعيداً عن مصارعة السباع أو العبور على ظهور التماسيح النائمة. وفي المواقف ذات الأرجحية الأقرب للاطمئنان والنتائج الأقل خطورة فإنّه يفضّل الاقتحام نحو العسل والتعرّض للسع النحل.
النقطة المهمّة في الاقتحام هي معرفتك كم سيجرّه عليك الإخفاق من التعلّم والنموّ والنجاح. حقاً إنّها فرصتك.
لا يمكنك التحكّم بالرياح ولا يسعك انتظارها.. حوِّل أشرعتك!
وإليكم الآن الأخبار الطيبة: يمكنك تغيير حظوظ نجاحك إذا غيّرت عقليّتك. عندما قامت الدكتورة دفيك بتدريب الأطفال على النظر إلى أنفسهم كأفرادٍ قادرين على تنمية ذكائهم وجدت أنّهم كانوا يعملون بمزيد من بذل الجهد ومن المثابرة وينجحون أكثر في حل مسائل رياضية كانوا من قبلُ يتراجعون عن مواجهتها ويتركونها دون حل.
عقليّة النموّ هي السر في تعظيم المقدرات وتفعيلها
تريد النمو لمجموعة عملك؟ إذاً كلّفهم بمهمّات تتجاوز مقدراتهم. يقولون لك إّنهم عاجزون عن القيام بها؟ إذاً بيّن لهم منذ البداية أنّك تتوقع منهم استغراق بعض الوقت للاستكشاف والتأقلم، وأنّك تدرك أنّ معالجتها ليست باليسيرة وتحتاج وقتاً أطول ممّا تحتاجه مهمّاتهم المعتادة. بيّن لهم أنّك تتوقع ارتكابهم الأخطاء في طريقهم نجو الإنجاز، ولكنّك مع ذلك تثق في أنّهم قادرون على ما كلّفتهم به.
تريد أن تحسّن أداء نفسك؟
إذاً ضع لنفسك أهدافاً صعبة المنال حيث تتراوح أرجحية النجاح بين خمسين وسبعين في المئة، إذ حسب ما توصل إليه عالم النفس والأستاذ في جامعة هارفارد الراحل ديفيد ماكليلاند فإنّ هذا النطاق هو النطاق الأكثر تفضيلاً والأكثر تحفيزاً لدى أصحاب الإنجازات الكبيرة. وبعد أن تُمضي نصف وقتك في المحاولة دون نجاح ترّيث وابحث عمّا ينبغي عليك القيام به بطريقة مختلفة، ثم ارجع إلى المحاولة من جديد، إنّ هذا تمرين. وحسب دراسات حديثة فإن عشرة آلاف ساعة من التمرين بهذه النوعية ستجعلك خبيراً في أيّ شيء، ومهما كانت نقطة بدايتك.
في جلسة تدريبات اللياقة التالية مع كالفن، ضاعفتُ أثقال تمريني، ورأيت كم كان قوله صحيحاً. لكن لسوء الحظّ أصابني ذلك بالتهاب في أوتار مرفقي وها أنا أعالجها الآن بالراحة وكمّادات الثلج. أجل في بعض الأحيان تواجه الإخفاق وأنت تحاول الإخفاق... أبشر! فها أنت تستمرّ في مزيد من التعلّم والنمو!
كاتب ومحاضر واستشاري متخصص
الرئيس التنفيذي لمؤسسة بيرغمان وشركائه العالمية للاستشارات
بيتر! أريدك في حديث قصير بعد الدرس لو سمحت!
وبعد انتهاء درس اللياقة البدنية جئت إلى مدرّبي كالفن. خير يا معلم؟ ماذا
فعلت؟
- المشكلة يا عزيزي هي ليست ماذا تفعل وإنما هي ماذا لا تفعل.
وما عساه يكون هذا الأمر المهم الذي تراني لا أقوم به؟
- الإخفاق! إنّك لا تحاول أن تخفق
ماذا؟ هل استبقيتني بعد انتهاء الدرس لأنني لا أخفق؟
- إنّ هذه الطريقة (وبدأ يقلّد طريقتي في رفع أثقال تمريني الخفيفة جداً) لن توصلك إلى أي تقدم ملموس..
لا تنمو العضلة إلاّ إذا شغّلتها حتى تخفق. يجب أن تستخدم أوزاناً أشدّ تحدياً لقدراتك، ينبغي أن تخفق!
من المهمّ اتباع نصيحة مدرّبي السابقة هذه في تحسين اللياقة وتنمية العضلات، ولكن هل تعلمون كم لها من حضور حقيقيّ في النجاح العملي والتقدم المهنيّ؟
كلّما طلبتُ من مجموعةٍ من التنفيذيين الكبار أن يدوّنوا لي قائمةً بأهم خمس لحظات شهدت فيها مسيرتهم المهنية قفزةً إلى الأعلى والأمام (لاحظ عزيزي القارئ! قفزة، وليس مجرد خطوة) فإنني كنت أرى الإخفاق حاضراً في القائمة.
لدى بعضهم كنت ترى خسارة وظيفةٍ معينة، أو فشل مشروعٍ معين، ولدى آخرين كان الإخفاقُ اختلالاً كلّياً للمنظومة المحيطة بهم -مثل الركود الاقتصادي، أو تغيّر جذري يعمّ الصناعة أو البلد- يتطلّب منهم إعادة برمجةً أنفسهم برمجةً شاملة.
وبالرغم من أهمية الفشل وفائدته العظيمة التي تثبتها المشاهدة الواقعية فإن معظمنا يبذل جهوداً هائلةٍ لاجتناب الإخفاق واحتمالاته.
حوادث الحياة وظروفها رياح، موقفك الفكريّ هو الشراع
فهل تُدرك إلى أين تدفع مركبك؟
حسب قول الدكتورة كارول دفيك الأستاذة والباحثة في جامعة ستانفورد فإنّ كثيراً منا نحن البشر يعاني من مشكلة في مواقفه ومنطلقاته الفكرية –أو عقليّته- mindset.
قامت الدكتورة دفيك بأبحاث هائلة من أجل تفهّم العوامل التي تجعل كثيراً من الناس يسعون إلى التهرّب من مواجهة المحنة بدلاً من السعي إلى التغلّب عليها. وانتهت إلى إجابةٍ بسيطةٍ (بساطة خادعة): السر كلّه في رأسك!
كثيرٌ من الناس يثبّتون أشرعتهم.. فلا تكبر، ولا يتعرّضون إلاّ للرياح المواتية
إن كنت تعتقد أن مواهبك مولودةٌ معك أو إنّها ثابتة فسوف تحاول تجنّب الإخفاق بكل ما لديك من طاقة لأن الإخفاق دليلٌ يُظهر محدودية قدراتك ومواضع الضعف أو العجز لديك. وأصحاب العقلية الثابتة يحبّون الاستمرار في حلّ المشكلات ذاتها مرةً بعد مرة لأن ذلك يعزّز صورة كفاءتهم.
الأطفال ذوو العقلية الثابتة تراهم يفضّلون تكرير حل إحدى أحجيات التجميع السهلة مرةٍ بعد مرة بدل الانتقال إلى أحجيةٍ أصعب.
الطلاب ذوو العقلية الثابتة لا يرحّبون ولا ينجحون في تعلّم لغات جديدة. المديرون ذوو العقليات الثابتة سيحيطون أنفسهم بمن يوافقونهم على الدوام. إنهم يشعرون بالفخر والسرور عندما يُثبتون فهمهم ومقدرتهم ويظهرونَ مصيبين ناجحين مرةً بعد مرة!
والناجحون يحسّنون ويحرّكون أشرعتهم ويتعلّمون كيف يسخّرون الرياح المعاكسة للإبحار ضدها
لكن إن كنت تعتقد أن مواهبك تنمو بالمثابرة والجهد فسوف تطلب الإخفاق كفرصةٍ للتحسّن. إن أصحاب العقليات النامية يرضون عن نجاح أنفسهم عندما يتعلّمون وليس عندما ينتفي عنهم الزلل.
هذا مايكل جوردان الذي يعتبره كثيرون أفضل لاعب سلة عرفته الدنيا لديه عقلية نموّ. شأنه في ذلك شأن كثير من الناجحين. في المدرسة الثانوية استبعد عن فريق السلّة، ولكن ذلك لم يحبطه أبداً. وعن عقليته هذه ومسيرة نجاحه يقول: لقد أخطات الهدف في أكثر من تسعة آلاف رمية خلال حياتي الاحترافية، وخسرت أكثر من ثلاثمئة مباراة، وفي ست وعشرين مرةً كنتُ المؤتمن على رمية الفوز الحاسمة وأخطات الهدف. لقد أخفقت في حياتي مرةً بعد مرة.. ولذلك تراني اليوم ناجحاً.
إن كان لديك موقفُ وعقلية نموّ فسوف تستخدم فشلك من أجل التحسن
وإن كان لديك عقلية ثبات فربما لن تتعرّض للفشل أبداً
وسواءٌ أفشلت أم لم تفشل حقاً فإنّ هذه العقلية
ستبقيك بعيداً عن التعلّم أو النمو.
ستبقيك بعيداً عن التعلّم أو النمو.
في دنيا الأعمال، ينبغي أن نميّز الأحيان التي نختار عندها تحدّي أنفسنا.
في المواقف ذات الأرجحية القلِقة والخطورة الفادحة يُستحسن لك التريّث والبقاء ضمن إمكانياتك الحالية بعيداً عن مصارعة السباع أو العبور على ظهور التماسيح النائمة. وفي المواقف ذات الأرجحية الأقرب للاطمئنان والنتائج الأقل خطورة فإنّه يفضّل الاقتحام نحو العسل والتعرّض للسع النحل.
النقطة المهمّة في الاقتحام هي معرفتك كم سيجرّه عليك الإخفاق من التعلّم والنموّ والنجاح. حقاً إنّها فرصتك.
لا يمكنك التحكّم بالرياح ولا يسعك انتظارها.. حوِّل أشرعتك!
وإليكم الآن الأخبار الطيبة: يمكنك تغيير حظوظ نجاحك إذا غيّرت عقليّتك. عندما قامت الدكتورة دفيك بتدريب الأطفال على النظر إلى أنفسهم كأفرادٍ قادرين على تنمية ذكائهم وجدت أنّهم كانوا يعملون بمزيد من بذل الجهد ومن المثابرة وينجحون أكثر في حل مسائل رياضية كانوا من قبلُ يتراجعون عن مواجهتها ويتركونها دون حل.
عقليّة النموّ هي السر في تعظيم المقدرات وتفعيلها
تريد النمو لمجموعة عملك؟ إذاً كلّفهم بمهمّات تتجاوز مقدراتهم. يقولون لك إّنهم عاجزون عن القيام بها؟ إذاً بيّن لهم منذ البداية أنّك تتوقع منهم استغراق بعض الوقت للاستكشاف والتأقلم، وأنّك تدرك أنّ معالجتها ليست باليسيرة وتحتاج وقتاً أطول ممّا تحتاجه مهمّاتهم المعتادة. بيّن لهم أنّك تتوقع ارتكابهم الأخطاء في طريقهم نجو الإنجاز، ولكنّك مع ذلك تثق في أنّهم قادرون على ما كلّفتهم به.
تريد أن تحسّن أداء نفسك؟
إذاً ضع لنفسك أهدافاً صعبة المنال حيث تتراوح أرجحية النجاح بين خمسين وسبعين في المئة، إذ حسب ما توصل إليه عالم النفس والأستاذ في جامعة هارفارد الراحل ديفيد ماكليلاند فإنّ هذا النطاق هو النطاق الأكثر تفضيلاً والأكثر تحفيزاً لدى أصحاب الإنجازات الكبيرة. وبعد أن تُمضي نصف وقتك في المحاولة دون نجاح ترّيث وابحث عمّا ينبغي عليك القيام به بطريقة مختلفة، ثم ارجع إلى المحاولة من جديد، إنّ هذا تمرين. وحسب دراسات حديثة فإن عشرة آلاف ساعة من التمرين بهذه النوعية ستجعلك خبيراً في أيّ شيء، ومهما كانت نقطة بدايتك.
في جلسة تدريبات اللياقة التالية مع كالفن، ضاعفتُ أثقال تمريني، ورأيت كم كان قوله صحيحاً. لكن لسوء الحظّ أصابني ذلك بالتهاب في أوتار مرفقي وها أنا أعالجها الآن بالراحة وكمّادات الثلج. أجل في بعض الأحيان تواجه الإخفاق وأنت تحاول الإخفاق... أبشر! فها أنت تستمرّ في مزيد من التعلّم والنمو!